نشأة الصحافة العربية والفلسطينين زمن الانتداب البريطاني
بداية ظهور الصحافة في فلسطين
فلسطين مهد الحضارة والثقافة فأولى الثقافة نشأت بأريحا عبر أولى المدن في العالم فلا عجب أن تكون فلسطين من أوائل الأقطار العربية التي ظهرت بها الصحافة وأخرجت أفواجا من الكتاب والأدباء والقادة.
فلسطين الجريحة عبر كل العصور لم ترضى الظلم والاضطهاد فكانت تثور على الظلم و لا ترضاه ولا ترضى بحكم ظالم، فكانت الأوراق التي تلصق على الجدران ضد الحكم الصليبي والدعوة إلى تحرير بيت المقدس تعم أرجاء البلاد المحتلة ورسائل تطوف العالم فكيف لا يكون شعب فلسطين من أوائل الشعوب اهتماما بالصحافة ورفضت فلسطين أن يأسرها الحكم العثماني بجهله وظلمه كباقي الأقطار العربية.
بدأت الصحافة العربية بالظهور في فلسطين في أواخر القرن التاسع عشر وارتبطت نشأتها ببداية النهضة، ولم يسكت أدبائها على ظلم الولاة والجباة، فكم من والٍ عزل بسبب الألسن السليطة للأدباء وانتقاداتهم لأوضاعهم التي عاشوها التي كانت بداية البداية للصحافة الفلسطينية.
واستمرت الصحافة الفلسطينية في التطور مع نهاية القرن التاسع عشر حتى استيقظت فلسطين مرة أخرى ونفضت عنها خمول نوم طال لأربعة قرون من الجهل، ولم تأت اليقظة فجأة، فقد ارتبطت نتيجة عوامل توالت تباعا لعل أبرزها:
1ـ الحملة الفرنسية التي قادها نابليون على مصر واندفع بها إلى أسوار عكا في فلسطين التي تحطمت على أسوارها وأبوابها أحلامه، حيث تركت أثرها الواضح في زيادة تأثير الثقافة الأوروبية على الشرق، فهي التي حملت المطبعة العربية إلى مصر، وكانت في طليعة من قام برسم وعمل دراسة جغرافية ورسم الخرائط العلمية لفلسطين.
ومهما قيل في الغاية السياسية والاقتصادية التي ترمي إليها هذه الحملة في ذاك العهد، فقد كانت بمثابة الطرقات الشديدة على باب الشرق ليصحو من سباته وجرس الإنذار الذي أدى إلى اليقظة العربية ولينهض العرب من سباتهم العميق ونوعا من اللقاء بين الشرق والغرب عن طريق مصر وفلسطين اللتان تمثلان موقعا جغرافيا مهما(1).
(1) ـ مروة، أديب: الصحافة العربية، نشأتها وتطورها، ج1، ص131.
2ـ وبعد خروج نابليون، حكم محمد علي فلسطين لمدة تسع سنوات منذ عام 1832م حتى عام 1841م، وقد كان لحكمه اثر واضح في التنظيم والأمن والنشاطات الثقافية، بعد إصداره قانون نامة مصر.
وقد ساهم نظام التعليم الذي ادخله إبراهيم محمد علي باشا برغم عمره القصير أن يحدث نهضة وصحوة ثقافية كبيرة، إذ انتشرت المدارس الأميرية ومهد هذا السبيل لنهضة علمية وأدبية مباركة.
وكانت مصر في عهد محمد علي قد نهضت بنهضة علمية التقت فيها الثقافة الإنجليزية والفرنسية والغربية بالثقافة العربية، وهنا نرى أن فلسطين نعمت بهذا التطور الكبير(1).
3 ـ بعد خروج محمد علي من فلسطين بعد معاهدة لندن توالت على حكم فلسطين الأسر الحاكمة، حيث قامت هذه الأسر كالزيادنة في شمال فلسطين برئاسة شيخهم(ظاهر العمر) بتطوير المدارس وإرسال البعثات إلى الدول الأوربية.
4 ـ البعثات الدينية والتبشيرية:
زاد انتشار المدارس، وعدد المتعلمين، وبروز عدد كبير من المثقفين والأدباء والكتاب، وانتشار حركة التأليف والترجمة ودعّمت الحركة الفكرية والأدبية.
وتوثقت الصلة الوثيقة بين الشرق والغرب، وكانت البعثات الدينية من كل أوروبا تتجه نحو فلسطين نحو إنشاء المدارس والأديرة واشتعلت بالتعليم وترجمة الكتب الدينية والأدبية، حيث قامت العاهد الكاثوليكية باستقدام المطابع، وكانت مطبعة الروم في القدس التي تأسست عام 1852م، المطبعة الأولى التي دخلت فلسطين، وهي لا تزال قائمة حتى الآن.
ومن المفارقات الطريفة أن البطريرك اللاتيني ثيوردوس في القدس مع نهاية القرن التاسع عشر، كان يشرف على 52 معهدا تربويا وأربع مدارس صناعية وخمسة مستشفيات و16 دار للأيتام، وكانت الدولة العثمانية في ذلك الوقت لا تملك مدارس ومعاهد ومستشفيات لاتحاد عدد الأصابع في اليد الواحدة (1).
(1) ـ ميقاتي، نجيب: الأدب المقارن، ج2، ص144.
ارتبطت نشأة الصحافة الفلسطينية بنشأة الصحافة في البلاد العربية الأخرى، فلم تتطور الصحافة في فلسطين خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر كما تطورت في البلاد العربية، بل اعتمد القارئ الفلسطيني على الصحافة السورية واللبنانية والمصرية التي سبقت نشأتها نشأة الصحافة الفلسطينية، وصدرت أول صحيفة عربية بعد مجيء الحملة الفرنسية عام 1800م، منذ أن أمر الجنرال بونابرت بإصدار صحيفتين الأولى بالفرنسية والثانية بالعربية دعيت ب "التنبيه" لإذاعة المهم مما يجري في ديوان القضايا والإدارة الذي كان يشرف عليه احد أعوان نابليون بونابرت الذي كان يدعى "فورييه" وقد قام فورييه بتكليف الكاتب المصري إسماعيل ابن سعد الخشاب بتحريرها وهو من خريجي الأزهر (1). وبعد خروج نابليون من مصر بقيت البلاد العربية محرومة من انتشار الصحافة إلى أن جاء محمد علي الكبير إلى مصر فأصدر صحيفة عام 1827م سماها "جورنال الخديوي " والتي سرعان ما تحولت إلى الوقائع المصرية وكانت تصدر باللغة التركية ثم صدرت باللغتين العربية والتركية، وعادت وتوقفت عن الصدور إلى أن صدرت باللغة العربية الفصحى وقام بتحريرها رفاعة الطهطاوي الذي تتلمذ في الأزهر وألم بالثقافة الغربية وتأثر بها، وبعد ذلك أصدر رزق الله حسون الحلبي أول صحيفة عربيه دعيت باسمه وسميت هذه الجريدة بـ " مرآة الأحوال" في الآستانة وكانت أول جريدة عربية أنشئت في البلاد العربية هي حديقة الأخبار التي أسسها خليل الخوري الياس عام1858م. واستمر صدورها حتى العام 1911م، أما أول من استخدم كلمة صحيفة بمعنى جريدة فهو رشيد الدحداح صاحب جريدة "بريجيس باريس" التي كانت تصدر في باريس والتي كانت تعتبر من أوائل الصحف الغربية (2).
(1) أديب، مروة: الصحافة العربية نشأتها وتطورها، ص144.
(2) المصدر السابق، ص145.
الصحافة في العهد العثماني
تميزت فترة العهد العثماني بانتشار الجهل والفقر والتخلف، وتفشى الظلم والفساد والتسلط، مما أدى إلى استحالة التمهيد لأي ظروف تساعد لنشأة صحافة حرة، وبقيت هذه الحالة على هذه الصورة حتى قامت جمعية تركيا الفتاة وجمعية الاتحاد والترقي، التي نجحت في انقلابها العسكري وأجبرت السلطان عبد الحميد في العام 1908م على إعادة العمل بالدستور وإلغاء الرقابة والجواسيس حيث أدى ذلك إلى ظهور عدد من الصحف والمجلات في فلسطين، حيث بدأت الصحافة بالاعتماد على ما يمكن استنباطه من آلية العمل في الصحف الأخرى والدول العربية سواءً من ناحية الإخراج والتأليف واستفادت من دخول الصحافة المصرية وتأثرت بتطوير الأدب العربي وكان الأسلوب اللغوي يُستمد من الأسلوب اللغوي العثماني، وارتبطت البدايات الأولى للصحافة العربية في فلسطين بما كانت عليه بالدول الأخرى، فقد اعتمدت في بداية عهدها على الترجمة والنقل عن الصحف الأخرى وخاصة اللبنانية، حيث كانت تعتبر بيروت مركزاً ثقافيا في تلك الفترة وكانت كذلك مركزا للطباعة العربية في الشرق، وهي الدولة العربية الوحيدة التي دخلتها المطبعة الأولى في عام 1756م.
صدرت الصحيفة الرسمية الأولى في فلسطين عام 1876م باللغتين التركية والعربية تحت اسم " القدس الشريف "، وكانت تصدر مرة شهريا وتحتوي على الغرامات والأنظمة والأحكام التي تصدرها الحكومة العثمانية وكان يحرر القسم العربي فيها الأستاذ علي الريماوي ويساعده فيها راغب الحسيني، ومحرر القسم التركي الأستاذ عبد السلام كمال، وكانت هذه الصحيفة صغيرة الحجم وتطبع في المطبعة المأمونية في مدينة القدس ثم توقفت عن الظهور في العام 1912م، لتعاود الصدور بعد ذلك، وفي العام 1876 صدرت أيضا صحيفة (الغزال) ولم تختلف عن سابقتها كثيرا حيث كانت تصدر شهريا وتنشر الأنظمة والقوانين باللغة العربية.
وبحسب رأي عدد من الباحثين العرب أن صحيفة النفير العثماني التي أنشأها إبراهيم ذكا في الإسكندرية من أقدم الصحف الفلسطينية العربية، لأنها كانت أول جريدة عربية فلسطينية يصدرها فلسطيني باسمه، ثم انتقلت بعد ذلك إلى القدس عام 1908م، وأطلق عليها اسم النفير (2).
ثم انتقلت صحيفة النفير إلى حيفا واستمرت بالصدور أسبوعية وأحيانا نصف أسبوعيه حتى دخول الانتداب البريطاني
(1) خليل العقاد، احمد: الصحافة العربية الفلسطينية، ص80. (2) مروة، أديب:الصحافة العربية نشأتها وتطورها، ص 217.
ثم صدرت عام 1906اول جريدة يهودية شهرية كان يحررها طلبة مدرسة بني صهيون الإنجليزية تحمل عنوان " باكورة بني صهيون" (1)، وكانت توزع مجاناً على طلبة المدارس وتنشر الموضوعات الأدبية والعلمية.
وبعد إعلان الدستور عام 1908م والذي مكن الصحفيين من الحصول على تراخيص لإصدار الصحف والمجلات وكانت هذه الخطوة ممهدا لظهور عدد من الصحف، وقد صدر خلال هذا العام أكثر من إحدى عشر صحيفة أبرزها:
1. جريدة صهيون وكانت تصدر عن بطريركية الروم الارثوذوكس.
2. جريدة الديك الصّياح وكانت تكتب بخط اليد.
3. جريدة الأحلام ومنية الموت والبلبل والطائر وناقة الله وبشير فلسطين والإنصاف والنجاح والنفائس العصرية (2).
كما صدرت في هذا العام جريدة " القدس" لصاحبها جورج حنانيا، وظهرت أول جريدة عربية في يافا على يد " بندلي عرابي " باسم (الأخبار) وصدرت في نفس العام جريدة الأصمعي للأستاذ حنا عبد الله عيسى والدستور التي كان يشرف على تحريرها الأستاذ الكبير خليل السكاكيني مؤسس المدرسة الدستورية في القدس وفي عام 1910 صدرت جريدة الاعتدال وكان يحررها بكر اليافي والحرية لتوفيق السمهوري والترقي لعادل جبر وجريدة أخرى كانت تصدر باللغة الإنجليزية "ديترويت" واشترك في تحريرها الأستاذ قدري فرج، كما ظهرت الكرمل والصدق وصوت العثمانية.
وظهرت في عام 1911 جريدة فلسطين التي أصدرها عيسى داوود عيسى ويوسف العيسى وكانت في أول عهدها أسبوعية ثم أخذت تظهر مرتين أسبوعيا ثم تحولت إلى جريدة يومية بثماني صفحات فيما بعد، وتعتبر هذه الجريدة من ارقي واهم الصحف في فلسطين على الإطلاق، ولقد استطاعت فيما بعد أن تصبح من أهم الجرائد، وعندما نشبت الحرب العالمية الأولى، أبعدت صاحبها يوسف العيسى إلى الأناضول، ومنعت الصحيفة من الصدور.
(1) ـ يعقوب الهوشع: تاريخ الصحافة العربية في فلسطين في العهد العثماني، ص360. (2) ـ انظر الملحق. (3) ـ انظر الملحق.
وفي عام 1912م صدرت جريدة المنادي والصاعقة في حيفا والدستور لجميل الخالدي، وكانت الصحافة في العام 1914م قد ضربت جذورها في المجتمع الفلسطيني، فظهرت المجلات الأدبية مثل مجلة النفائس العصرية.
أما المجلة الأدبية الأولى في فلسطين فتأسست عام 1908م تحت عنوان:مجلة النفائس العصرية: على يد محررها الأستاذ خليل بيدس وكانت مجلة شهرية تهتم بشؤون الأدب والتاريخ وانتقلت إلى القدس وحيفا واستمرت في الصدور حتى نشوب الحرب العالمية الأولى عام 1914م حتى توقفت عن الظهور إلى أن ظهرت مرة أخرى في عهد الانتداب البريطاني، ولقد أضاف المحرر كلمة العصرية ليميزها عن مجلة "النفائس" اللبنانية.
ومن المجلات الأدبية الأخرى مجلة " الأصمعي" التي استمرت حتى بداية الحرب العالمية الأولى، ومجلة المنهل، وكانت معظم المقالات التي تنشر بها ذات طابع تاريخي.
ثم جاءت الحرب العالمية الأولى حتى عام 1914 لتقضي على الصحافة في بداية نشأتها، ولقد بلغ عدد الصحف منذ عام 1908 وحتى عام 1914 حوالي ثلاثين صحيفة، وكان عمر هذه الصحف قصيرا لا يتجاوز العامين، وقد وضعت الصحف الصغيرة ذات الصفحات الأربعة استطاعت بموادها الاجتماعية والسياسية أن ترسي حجر الأساس للصحافة العربية في فلسطين، والتي أخذت تنمو وتتطور خلال 30 عاماً من الاحتلال البريطاني. قامت الصحافة الفلسطينية في تلك الفترة بتلبية الاحتياجات المحلية، وأدت إلى تقوية الروح القومية والإحساس بالوعي القومي، فمنذ ظهرت الصحف في فلسطين وهي منبر لرجال الإصلاح، وحاملي لواء الوطنية، وسعى أصحاب الجرائد لمعالجة المشاكل التي كانت تشكو منها البلاد والدعوة إلى الإصلاح.
فتاريخ صحافة فلسطين حافل بالأمثلة التي تدل على عظم الدور الذي قامت به وما تزال تقوم به الصحافة الوطنية في بعث النهضة ونشر الوعي بين الجماهير.
وكانت الصحافة في بداية عهدها تساند المطالب المحقة في إنشاء نظام عربي مركزي، وكان طلب فتح الجريدة يتنقل عدة سنوات في المكاتب الحكومية ليعاني الصحفيون من تلك الإجراءات الظالمة والمستبدة. وكانت السلطات العثمانية تنظر إلى المطابع كخطر بالغ ، ولهذا قامت الدولة العثمانية بمحارتها وفرض عقوبات على من يمتلك مطبعة ، وتوقفت الصحف في فلسطين عن الظهور حتى بداية الحرب العالمية الأولى ، وظل الحال حتى قبيل الانتداب البريطاني عام 1909 م . (1) حيث عادت إلى مزاولة نشاطاتها.وقد لمعت أسماء كثيرة في سماء فلسطين في العهد العثماني، وكذلك الشعراء والمفكرين الذين شاركوا بشكل فعال في الحياة الصحفية في فلسطين، حيث كانوا الرواد الأوائل في كل مجتمع متطور، وهم قادة الحركة الوطنية والفكرية والسياسية والإسلامية نذكر منهم: إسعاف النشاشيبي، خليل السكاكيني، عبد الله الريماوي، أكرم زعيتر، رضا عبد الله، وعيسى العيسى، عادل جبر وخليل بيدس (2) (1) يهوشع، يعقوب: تاريخ الصحافة العربية في فلسطين في العهد العثماني 1902م ـ 1918، ص163. (2) مركز المعلومات الوطني الفلسطيني ، النشرة التاسعة، ص5.
بداية ظهور الصحافة في فلسطين
فلسطين مهد الحضارة والثقافة فأولى الثقافة نشأت بأريحا عبر أولى المدن في العالم فلا عجب أن تكون فلسطين من أوائل الأقطار العربية التي ظهرت بها الصحافة وأخرجت أفواجا من الكتاب والأدباء والقادة.
فلسطين الجريحة عبر كل العصور لم ترضى الظلم والاضطهاد فكانت تثور على الظلم و لا ترضاه ولا ترضى بحكم ظالم، فكانت الأوراق التي تلصق على الجدران ضد الحكم الصليبي والدعوة إلى تحرير بيت المقدس تعم أرجاء البلاد المحتلة ورسائل تطوف العالم فكيف لا يكون شعب فلسطين من أوائل الشعوب اهتماما بالصحافة ورفضت فلسطين أن يأسرها الحكم العثماني بجهله وظلمه كباقي الأقطار العربية.
بدأت الصحافة العربية بالظهور في فلسطين في أواخر القرن التاسع عشر وارتبطت نشأتها ببداية النهضة، ولم يسكت أدبائها على ظلم الولاة والجباة، فكم من والٍ عزل بسبب الألسن السليطة للأدباء وانتقاداتهم لأوضاعهم التي عاشوها التي كانت بداية البداية للصحافة الفلسطينية.
واستمرت الصحافة الفلسطينية في التطور مع نهاية القرن التاسع عشر حتى استيقظت فلسطين مرة أخرى ونفضت عنها خمول نوم طال لأربعة قرون من الجهل، ولم تأت اليقظة فجأة، فقد ارتبطت نتيجة عوامل توالت تباعا لعل أبرزها:
1ـ الحملة الفرنسية التي قادها نابليون على مصر واندفع بها إلى أسوار عكا في فلسطين التي تحطمت على أسوارها وأبوابها أحلامه، حيث تركت أثرها الواضح في زيادة تأثير الثقافة الأوروبية على الشرق، فهي التي حملت المطبعة العربية إلى مصر، وكانت في طليعة من قام برسم وعمل دراسة جغرافية ورسم الخرائط العلمية لفلسطين.
ومهما قيل في الغاية السياسية والاقتصادية التي ترمي إليها هذه الحملة في ذاك العهد، فقد كانت بمثابة الطرقات الشديدة على باب الشرق ليصحو من سباته وجرس الإنذار الذي أدى إلى اليقظة العربية ولينهض العرب من سباتهم العميق ونوعا من اللقاء بين الشرق والغرب عن طريق مصر وفلسطين اللتان تمثلان موقعا جغرافيا مهما(1).
(1) ـ مروة، أديب: الصحافة العربية، نشأتها وتطورها، ج1، ص131.
2ـ وبعد خروج نابليون، حكم محمد علي فلسطين لمدة تسع سنوات منذ عام 1832م حتى عام 1841م، وقد كان لحكمه اثر واضح في التنظيم والأمن والنشاطات الثقافية، بعد إصداره قانون نامة مصر.
وقد ساهم نظام التعليم الذي ادخله إبراهيم محمد علي باشا برغم عمره القصير أن يحدث نهضة وصحوة ثقافية كبيرة، إذ انتشرت المدارس الأميرية ومهد هذا السبيل لنهضة علمية وأدبية مباركة.
وكانت مصر في عهد محمد علي قد نهضت بنهضة علمية التقت فيها الثقافة الإنجليزية والفرنسية والغربية بالثقافة العربية، وهنا نرى أن فلسطين نعمت بهذا التطور الكبير(1).
3 ـ بعد خروج محمد علي من فلسطين بعد معاهدة لندن توالت على حكم فلسطين الأسر الحاكمة، حيث قامت هذه الأسر كالزيادنة في شمال فلسطين برئاسة شيخهم(ظاهر العمر) بتطوير المدارس وإرسال البعثات إلى الدول الأوربية.
4 ـ البعثات الدينية والتبشيرية:
زاد انتشار المدارس، وعدد المتعلمين، وبروز عدد كبير من المثقفين والأدباء والكتاب، وانتشار حركة التأليف والترجمة ودعّمت الحركة الفكرية والأدبية.
وتوثقت الصلة الوثيقة بين الشرق والغرب، وكانت البعثات الدينية من كل أوروبا تتجه نحو فلسطين نحو إنشاء المدارس والأديرة واشتعلت بالتعليم وترجمة الكتب الدينية والأدبية، حيث قامت العاهد الكاثوليكية باستقدام المطابع، وكانت مطبعة الروم في القدس التي تأسست عام 1852م، المطبعة الأولى التي دخلت فلسطين، وهي لا تزال قائمة حتى الآن.
ومن المفارقات الطريفة أن البطريرك اللاتيني ثيوردوس في القدس مع نهاية القرن التاسع عشر، كان يشرف على 52 معهدا تربويا وأربع مدارس صناعية وخمسة مستشفيات و16 دار للأيتام، وكانت الدولة العثمانية في ذلك الوقت لا تملك مدارس ومعاهد ومستشفيات لاتحاد عدد الأصابع في اليد الواحدة (1).
(1) ـ ميقاتي، نجيب: الأدب المقارن، ج2، ص144.
ارتبطت نشأة الصحافة الفلسطينية بنشأة الصحافة في البلاد العربية الأخرى، فلم تتطور الصحافة في فلسطين خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر كما تطورت في البلاد العربية، بل اعتمد القارئ الفلسطيني على الصحافة السورية واللبنانية والمصرية التي سبقت نشأتها نشأة الصحافة الفلسطينية، وصدرت أول صحيفة عربية بعد مجيء الحملة الفرنسية عام 1800م، منذ أن أمر الجنرال بونابرت بإصدار صحيفتين الأولى بالفرنسية والثانية بالعربية دعيت ب "التنبيه" لإذاعة المهم مما يجري في ديوان القضايا والإدارة الذي كان يشرف عليه احد أعوان نابليون بونابرت الذي كان يدعى "فورييه" وقد قام فورييه بتكليف الكاتب المصري إسماعيل ابن سعد الخشاب بتحريرها وهو من خريجي الأزهر (1). وبعد خروج نابليون من مصر بقيت البلاد العربية محرومة من انتشار الصحافة إلى أن جاء محمد علي الكبير إلى مصر فأصدر صحيفة عام 1827م سماها "جورنال الخديوي " والتي سرعان ما تحولت إلى الوقائع المصرية وكانت تصدر باللغة التركية ثم صدرت باللغتين العربية والتركية، وعادت وتوقفت عن الصدور إلى أن صدرت باللغة العربية الفصحى وقام بتحريرها رفاعة الطهطاوي الذي تتلمذ في الأزهر وألم بالثقافة الغربية وتأثر بها، وبعد ذلك أصدر رزق الله حسون الحلبي أول صحيفة عربيه دعيت باسمه وسميت هذه الجريدة بـ " مرآة الأحوال" في الآستانة وكانت أول جريدة عربية أنشئت في البلاد العربية هي حديقة الأخبار التي أسسها خليل الخوري الياس عام1858م. واستمر صدورها حتى العام 1911م، أما أول من استخدم كلمة صحيفة بمعنى جريدة فهو رشيد الدحداح صاحب جريدة "بريجيس باريس" التي كانت تصدر في باريس والتي كانت تعتبر من أوائل الصحف الغربية (2).
(1) أديب، مروة: الصحافة العربية نشأتها وتطورها، ص144.
(2) المصدر السابق، ص145.
الصحافة في العهد العثماني
تميزت فترة العهد العثماني بانتشار الجهل والفقر والتخلف، وتفشى الظلم والفساد والتسلط، مما أدى إلى استحالة التمهيد لأي ظروف تساعد لنشأة صحافة حرة، وبقيت هذه الحالة على هذه الصورة حتى قامت جمعية تركيا الفتاة وجمعية الاتحاد والترقي، التي نجحت في انقلابها العسكري وأجبرت السلطان عبد الحميد في العام 1908م على إعادة العمل بالدستور وإلغاء الرقابة والجواسيس حيث أدى ذلك إلى ظهور عدد من الصحف والمجلات في فلسطين، حيث بدأت الصحافة بالاعتماد على ما يمكن استنباطه من آلية العمل في الصحف الأخرى والدول العربية سواءً من ناحية الإخراج والتأليف واستفادت من دخول الصحافة المصرية وتأثرت بتطوير الأدب العربي وكان الأسلوب اللغوي يُستمد من الأسلوب اللغوي العثماني، وارتبطت البدايات الأولى للصحافة العربية في فلسطين بما كانت عليه بالدول الأخرى، فقد اعتمدت في بداية عهدها على الترجمة والنقل عن الصحف الأخرى وخاصة اللبنانية، حيث كانت تعتبر بيروت مركزاً ثقافيا في تلك الفترة وكانت كذلك مركزا للطباعة العربية في الشرق، وهي الدولة العربية الوحيدة التي دخلتها المطبعة الأولى في عام 1756م.
صدرت الصحيفة الرسمية الأولى في فلسطين عام 1876م باللغتين التركية والعربية تحت اسم " القدس الشريف "، وكانت تصدر مرة شهريا وتحتوي على الغرامات والأنظمة والأحكام التي تصدرها الحكومة العثمانية وكان يحرر القسم العربي فيها الأستاذ علي الريماوي ويساعده فيها راغب الحسيني، ومحرر القسم التركي الأستاذ عبد السلام كمال، وكانت هذه الصحيفة صغيرة الحجم وتطبع في المطبعة المأمونية في مدينة القدس ثم توقفت عن الظهور في العام 1912م، لتعاود الصدور بعد ذلك، وفي العام 1876 صدرت أيضا صحيفة (الغزال) ولم تختلف عن سابقتها كثيرا حيث كانت تصدر شهريا وتنشر الأنظمة والقوانين باللغة العربية.
وبحسب رأي عدد من الباحثين العرب أن صحيفة النفير العثماني التي أنشأها إبراهيم ذكا في الإسكندرية من أقدم الصحف الفلسطينية العربية، لأنها كانت أول جريدة عربية فلسطينية يصدرها فلسطيني باسمه، ثم انتقلت بعد ذلك إلى القدس عام 1908م، وأطلق عليها اسم النفير (2).
ثم انتقلت صحيفة النفير إلى حيفا واستمرت بالصدور أسبوعية وأحيانا نصف أسبوعيه حتى دخول الانتداب البريطاني
(1) خليل العقاد، احمد: الصحافة العربية الفلسطينية، ص80. (2) مروة، أديب:الصحافة العربية نشأتها وتطورها، ص 217.
ثم صدرت عام 1906اول جريدة يهودية شهرية كان يحررها طلبة مدرسة بني صهيون الإنجليزية تحمل عنوان " باكورة بني صهيون" (1)، وكانت توزع مجاناً على طلبة المدارس وتنشر الموضوعات الأدبية والعلمية.
وبعد إعلان الدستور عام 1908م والذي مكن الصحفيين من الحصول على تراخيص لإصدار الصحف والمجلات وكانت هذه الخطوة ممهدا لظهور عدد من الصحف، وقد صدر خلال هذا العام أكثر من إحدى عشر صحيفة أبرزها:
1. جريدة صهيون وكانت تصدر عن بطريركية الروم الارثوذوكس.
2. جريدة الديك الصّياح وكانت تكتب بخط اليد.
3. جريدة الأحلام ومنية الموت والبلبل والطائر وناقة الله وبشير فلسطين والإنصاف والنجاح والنفائس العصرية (2).
كما صدرت في هذا العام جريدة " القدس" لصاحبها جورج حنانيا، وظهرت أول جريدة عربية في يافا على يد " بندلي عرابي " باسم (الأخبار) وصدرت في نفس العام جريدة الأصمعي للأستاذ حنا عبد الله عيسى والدستور التي كان يشرف على تحريرها الأستاذ الكبير خليل السكاكيني مؤسس المدرسة الدستورية في القدس وفي عام 1910 صدرت جريدة الاعتدال وكان يحررها بكر اليافي والحرية لتوفيق السمهوري والترقي لعادل جبر وجريدة أخرى كانت تصدر باللغة الإنجليزية "ديترويت" واشترك في تحريرها الأستاذ قدري فرج، كما ظهرت الكرمل والصدق وصوت العثمانية.
وظهرت في عام 1911 جريدة فلسطين التي أصدرها عيسى داوود عيسى ويوسف العيسى وكانت في أول عهدها أسبوعية ثم أخذت تظهر مرتين أسبوعيا ثم تحولت إلى جريدة يومية بثماني صفحات فيما بعد، وتعتبر هذه الجريدة من ارقي واهم الصحف في فلسطين على الإطلاق، ولقد استطاعت فيما بعد أن تصبح من أهم الجرائد، وعندما نشبت الحرب العالمية الأولى، أبعدت صاحبها يوسف العيسى إلى الأناضول، ومنعت الصحيفة من الصدور.
(1) ـ يعقوب الهوشع: تاريخ الصحافة العربية في فلسطين في العهد العثماني، ص360. (2) ـ انظر الملحق. (3) ـ انظر الملحق.
وفي عام 1912م صدرت جريدة المنادي والصاعقة في حيفا والدستور لجميل الخالدي، وكانت الصحافة في العام 1914م قد ضربت جذورها في المجتمع الفلسطيني، فظهرت المجلات الأدبية مثل مجلة النفائس العصرية.
أما المجلة الأدبية الأولى في فلسطين فتأسست عام 1908م تحت عنوان:مجلة النفائس العصرية: على يد محررها الأستاذ خليل بيدس وكانت مجلة شهرية تهتم بشؤون الأدب والتاريخ وانتقلت إلى القدس وحيفا واستمرت في الصدور حتى نشوب الحرب العالمية الأولى عام 1914م حتى توقفت عن الظهور إلى أن ظهرت مرة أخرى في عهد الانتداب البريطاني، ولقد أضاف المحرر كلمة العصرية ليميزها عن مجلة "النفائس" اللبنانية.
ومن المجلات الأدبية الأخرى مجلة " الأصمعي" التي استمرت حتى بداية الحرب العالمية الأولى، ومجلة المنهل، وكانت معظم المقالات التي تنشر بها ذات طابع تاريخي.
ثم جاءت الحرب العالمية الأولى حتى عام 1914 لتقضي على الصحافة في بداية نشأتها، ولقد بلغ عدد الصحف منذ عام 1908 وحتى عام 1914 حوالي ثلاثين صحيفة، وكان عمر هذه الصحف قصيرا لا يتجاوز العامين، وقد وضعت الصحف الصغيرة ذات الصفحات الأربعة استطاعت بموادها الاجتماعية والسياسية أن ترسي حجر الأساس للصحافة العربية في فلسطين، والتي أخذت تنمو وتتطور خلال 30 عاماً من الاحتلال البريطاني. قامت الصحافة الفلسطينية في تلك الفترة بتلبية الاحتياجات المحلية، وأدت إلى تقوية الروح القومية والإحساس بالوعي القومي، فمنذ ظهرت الصحف في فلسطين وهي منبر لرجال الإصلاح، وحاملي لواء الوطنية، وسعى أصحاب الجرائد لمعالجة المشاكل التي كانت تشكو منها البلاد والدعوة إلى الإصلاح.
فتاريخ صحافة فلسطين حافل بالأمثلة التي تدل على عظم الدور الذي قامت به وما تزال تقوم به الصحافة الوطنية في بعث النهضة ونشر الوعي بين الجماهير.
وكانت الصحافة في بداية عهدها تساند المطالب المحقة في إنشاء نظام عربي مركزي، وكان طلب فتح الجريدة يتنقل عدة سنوات في المكاتب الحكومية ليعاني الصحفيون من تلك الإجراءات الظالمة والمستبدة. وكانت السلطات العثمانية تنظر إلى المطابع كخطر بالغ ، ولهذا قامت الدولة العثمانية بمحارتها وفرض عقوبات على من يمتلك مطبعة ، وتوقفت الصحف في فلسطين عن الظهور حتى بداية الحرب العالمية الأولى ، وظل الحال حتى قبيل الانتداب البريطاني عام 1909 م . (1) حيث عادت إلى مزاولة نشاطاتها.وقد لمعت أسماء كثيرة في سماء فلسطين في العهد العثماني، وكذلك الشعراء والمفكرين الذين شاركوا بشكل فعال في الحياة الصحفية في فلسطين، حيث كانوا الرواد الأوائل في كل مجتمع متطور، وهم قادة الحركة الوطنية والفكرية والسياسية والإسلامية نذكر منهم: إسعاف النشاشيبي، خليل السكاكيني، عبد الله الريماوي، أكرم زعيتر، رضا عبد الله، وعيسى العيسى، عادل جبر وخليل بيدس (2) (1) يهوشع، يعقوب: تاريخ الصحافة العربية في فلسطين في العهد العثماني 1902م ـ 1918، ص163. (2) مركز المعلومات الوطني الفلسطيني ، النشرة التاسعة، ص5.
الأربعاء أبريل 30, 2014 1:04 am من طرف نورة سماحة
» شارك بمدونة د.ماجد تربان أستاذ الصحافة المساعد
السبت مارس 31, 2012 10:47 pm من طرف سراج
» صور ظريفه بجد ادخلوووووووووووووووووو
الإثنين يناير 30, 2012 4:52 am من طرف أبو عيون خضر
» السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإثنين أكتوبر 10, 2011 11:00 am من طرف سراج
» أذكار وأدعية من السنّة النبويّة الشريفة 1
الأربعاء يوليو 06, 2011 7:26 am من طرف انثي فى زمن الرجال
» أتمنى أن تقبلوني (طلب ترحيب)
الأحد يوليو 03, 2011 1:31 am من طرف سارة
» بعثرة ورق..!
الإثنين يونيو 20, 2011 5:51 pm من طرف أيهم
» خاطرة اعجبتني
الإثنين يونيو 20, 2011 5:49 pm من طرف أيهم
» (((((( ارجــــــــــــــــــــوحة الاحـــــــــــــــــــــــــــــلام )))))
الخميس مايو 26, 2011 5:55 am من طرف رقة الورد